فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {فَقُولاَ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالِمِينَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: معناه أرْسَلَنا رب العالمين، حكاه ابن شجرة.
والثاني: معناه أن كل واحد منا رسول رب العالمين، ذكره ابن عيسى.
والثالث: معناه إنا رسالة رب العالمين، قاله أبوعبيدة، ومنه قول كثير:
لقد كَذَّب الواشون ما بُحْتُ عندهم ** بسرٍّ ولا أرسلتهم برسول

أي رسالة.
قوله عز وجل: {قَاَلَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا} أي صغيرًا، لأنه كان في داره لقيطًا.
{وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} لم يؤذن له في الدخول عليه سنة، وخرج من عنده عشر سنين، وعاد إليه يدعوه ثلاثين سنة، وبقي بعد غرقه خمسين سنة، قال ذلك امتنانًا عليه.
{وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ} يعني قتل النفس.
{وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} فيه قولان:
أحدهما: أي على ديننا الذي لا تقول إنه كفر، وهو قول السدي.
الثاني: من الكافرين لإحساني إليك وفضلي عليك، وهذا قول محمد بن إسحاق.
قوله عز وجل: {قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذًا وَأَنَاْ مِنَ الضَّآلِينَ} يعني قتل النفس، قال المفضل: ومعنى إذن لموجبٍ.
{وَأَنَاْ مِنَ الضَّآلِينَ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: من الجاهلين، وهو قول مجاهد لا يعلم أنها تبلغ. والثاني: من الضالين عن النبوة، لأن ذلك كان قبل الرسالة، وهو معنى قول الضحاك.
الثالث: من الناسين، وهو قول ابن زيد، كما قال تعالى: {أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى}.
قوله عز وجل: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمْنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: معناه أن اتخاذك بني إسرائيل عبيدًا قد أحبط نعمتك التي تمن عليّ، وهذا قول عليّ بن عيسى.
والثاني: معناه أنك لما ظلمت بني إسرائيل ولم تظلمني، أعددت ذلك نعمة تمنّ بها عليّ؟ قاله الفراء.
والثالث: أنه لم تكن لفرعون على موسى نعمة لأن الذي رباه بنو إسرائيل بأمر فرعون لاستعباده لهم، فأبطل موسى نعمته لبطلان استرقاقه.
والرابع: أن فرعون أنفق على موسى في تربيته من أموال بني إسرائيل التي أخذها من أكسابهم حين استعبدهم، فأبطل موسى النعمة وأسقط المنة، لأنها أموال بني إٍسرائيل لا أموال فرعون، وهذا معنى قول الحسن.
وفي التعبيد وجهان:
أحدهما: أنه الحبس والإِذلال، حكاه أبان بن تغلب.
الثاني: أنه الاسترقاق، فالتعبيد الاسترقاق، سمي بذلك لما فيه من الإِذلال، مأخوذ من قولهم طريق معبد، ومنه قول طرفة بن العبد.
تبارى عناقًا ناجيات وأتبعت ** وظيفًا فوق مورٍ مُعَبّدِ

أي طريق مذلل. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقوله تعالى: {إنا رسول رب العالمين} هو على أن العرب أجرت الرسول مجرى المصدر في أن وصفت به الجمع والواحد والمؤنث، ومن ذلك قول الهذلي:
ألكني إليها وخير الرسو ** ل أعلمهم بنواحي الخبر

ومنه قول الشاعر: وإن كان مولدًا.
إن التي أبصرتها ** سحرًا تكلمني رسول

وقوله: {أن أرسل معنا بني إسرائيل} معناه سرح، فهو من الإرسال الذي هو بمعنى الإطلاق، وكما تقول أرسلت الحجر من يدي، وكان موسى مبعوثًا إلى فرعون في أمرين: أحدهما أن يرسل بني إسرائيل ويزيل عنهم ذل العبودية والغلبة، والثاني أن يؤمن ويهتدي وأمر بمكافحته ومقاومته في الأول، ولم يؤمر بذلك في الثاني على ما بلغ من أمره، وبعث بالعبادات والشرع إلى بني إسرائيل فقط، هذا قول بعض العلماء، وقول فرعون لموسى {ألم نُربّك} هو على جهة المن عليه والاحتقار، أي ربيناك صغيرًا ولم نقتلك في جملة من قتلنا، {ولبثت فينا سنين}، فمتى كان هذا الذي تدعيه، وقرأ جمهور القراء {من عمُرك} بضم الميم، وقرأ أبو عمرو {عمْرك} بسكونها، ثم قرره على قتل القبطي بقوله: {وفعلت فعلتك} والفَعلة بفتح الفاء المرة من الفعل، وقرأ الشعبي {فِعلتك} بكسر الفاء وهي هيئة الفعل، وقوله: {وأنت من الكافرين}، يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها أن يريد وقتلت القبطي {وأنت} في قتلك إياه {من الكافرين} إذ هو نفس لا يحل قتله قاله الضحاك، أو يريد {وأنت من الكافرين} بنعمتي في قتلك إياه قاله ابن زيد، وهذان بمعنى واحد في حق لفظ الكفر، وإنما اختلفا باشتراك لفظ الكفر والثاني أن يكون بمعنى الهزء على هذا الدين فأنت من الكافرين بزعمك قاله السدي، والثالث هو قول الحسن أن يريد {وأنت من الكافرين} الآن يعني فرعون بالعقيدة التي كان يبثها فيكون الكلام مقطوعًا من قوله: {وفعلت فعلتك} وإنما هو إخبار مبتدأ كان من الكافرين وهذا الثاني أيضًا يحتمل أن يريد به كفر النعمة.
قال القاضي أبو محمد: وكان بين خروج موسى عليه السلام حين قتل القبطي وبين رجوعه نبيًا إلى فرعون إحدى عشر سنة غير أشهر.
{قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20)}.
القائل هنا هو موسى عليه السلام والضمير في قوله: {فعلتها} لقتله القبطي، وقوله: {إذًا} صلة في الكلام وكأنها بمعنى حينئذ، وقوله: {وأنا من الضالين} قال ابن زيد معناه من الجاهلين بأن وكزتي إياه تأتي على نفسه، وقال أبو عبيدة معناه من الناسين لذلك، ونزع بقوله تعالى أن تضل إحداهما، وفي قراءة عبد الله بن مسعود وابن عباس {وأنا من الجاهلين} ويشبه أن تكون هذه القراءة على جهة التفسير، وقوله: {حكمًا} يريد النبوة وحكمتها، وقرأ عيسى {حُكُمًا} بضم الحاء والكاف، وقوله: {وجعلني من المرسلين} درجة ثانية للنبوة فرب نبي ليس برسول، ثم حاجه عليه السلام في منه عليه بالتربية وترك القتل بقوله: {وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل}، واختلف الناس في تأويل هذا الكلام، فقال قتادة هذا منه على جهة الإنكار عليه أن تكون نعمة كأنه يقول أويصح لك أن تعتمد على نعمة ترك قتلي من أجل أنك ظلمت بني إسرائيل وقتلهم، أي ليست نعمة لأن الواجب كان ألا يقتلني وألا تقتلهم ولا تستعبدهم بالقتل والخدمة وغير ذلك، وقرأ الضحاك {وتلك نعمة ما لك أن تمنها}، وهذه قراءة تؤيد هذا التأويل، وقال الأخفش قيل ألف الاستفهام محذوفة والمعنى أو تلك وهذا لا يجوز إلا إذا عادلتها أم كما قال تروح من الحي أم تبتكر.
قال القاضي أبو محمد: وهذا القول تكلف، قول موسى عليه السلام تقرير بغير ألف وهو صحيح كما قال قتادة والله المعين، وقال السدي والطبري هذا الكلام من موسى عليه السلام على جهة الإقرار بالنعمة، كأنه يقول تربيتك نعمة علي من حيث عبدت غيري وتركتني ولكن ذلك لا يدفع رسالتي.
قال القاضي أبو محمد: ولكل وجه ناحية من الاحتجاج فالأول ماض في طريق المخالفة لفرعون ونقض كلامه كله، والثاني مبد من موسى عليه السلام أنه منصف من نفسه معترف بالحق، ومتى حصل أحد المجادلين في هذه الرتبة وكان خصمه في ضدها غلب المتصف بذلك وصار قوله أوقع في النفوس. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {إِنَّا رسولُ ربِّ العالَمين}.
قال ابن قتيبة: الرسول يكون بمعنى الجميع، كقوله: {هؤلاء ضَيفي} [الحجر: 68] وقوله: {ثُمَّ نُخْرِجُكم طِفْلًا} [الحج: 5].
وقال الزجاج: المعنى: إِنْا رِسالةُ ربِّ العالَمين، أي: ذوو رسالة ربِّ العالمين، قال الشاعر:
لقَدْ كَذَبَ الوَاشُونَ ما بُحْتُ عِنْدَهُم ** بِسرٍّ وَلا أرْسَلْتُهُمْ بِرَسُولِ

أي: برسالة.
قوله تعالى: {أن أرسِلْ} المعنى: بأن أرسل {معنا بني إِسرائيل} أي: أَطْلِقْهم من الاستعباد، فأَتَياه فبلَّغاه الرسالة، ف {قال ألم نُرَبِّكَ فينا وَليدًا} أي: صبيًّا صغيرًا {ولَبِثْتَ فينا مِنْ عُمُرِكَ سِنينَ} وفيها ثلاثة أقوال.
أحدها: ثماني عشرة سنة، قاله ابن عباس.
والثاني: أربعون سنة، قاله ابن السائب.
والثالث: ثلاثون سنة، قاله مقاتل، والمعنى: فجازيْتَنا على ان ربَّيناك أن كفرت نعمتنا، وقتلت منّا نفسًا، وهو قوله: {وفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ} وهي قتل النفس.
قال الفراء: وإِنما نُصِبَت الفاء، لأنها مرة واحدة، ولو أُريد بها مثل الجِلسة والمِشية جاز كسرها.
وفي قوله: {وأنت من الكافرين} قولان.
أحدهما: من الكافرين لنعمتي، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، وعطاء، والضحاك، وابن زيد.
والثاني: من الكافرين بالهك، كنتَ معنا على ديننا الذي تعيب، قاله الحسن، والسدي.
فعلى الاول: وأنت من الكافرين الآن.
وعلى الثاني: وكنت.
وفي قوله: {وأنا من الضالِّين} ثلاثة أَقوال.
أحدها: من الجاهلين، قاله ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة.
وقال بعض المفسرين: المعنى: إِني كنت جاهلًا لم يأتني من الله شيء.
والثاني: من الخاطئين؛ والمعنى: إِني قتلت النفس خطًا، قاله ابن زيد.
والثالث: من الناسين؛ ومثله {أن تَضِلَّ إِحداهما} [البقرة: 282]، قاله أبو عبيدة.
قوله تعالى: {ففرَرتُ منكم} أي: ذهبت من بينكم {لمَّا خِفْتُكم} على نفسي إلى مَدْيَنِ، وقرأ عاصم الجحدري، والضحاك، وابن يعمر {لِمَا} بكسر اللام وتخفيف الميم، {فوهَب لي ربِّي حُكْمًا} وفيه قولان.
أحدهما: النبوَّة، قاله ابن السائب.
والثاني: العِلْم والفَهم، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {وتلك نِعمة تَمُنُّها عليَّ} يعني التربية {أنْ عَبَّدْتَ بني إِسرائيل} أي: اتخذْتَهم عبيدًا؛ يقال عبَّدتُ فلانًا وأعبدتُه واستعبدتُه: إِذا اتخذتَه عبدًا.
وفي {أنْ} وجهان:
أحدهما: أن تكون في موضع رفع على البدل من {نِعْمةٌ}.
والثاني: أن تكون في موضع نصب بنزع الخافض، تقديره: لأَن عبَّدتَ أو لتعبيدك.
واختلف العلماء في تفسير الآية، ففسرها قوم على الإِنكار، وقوم على الإِقرار.
فمن فسرها على الإِنكار قال معنى الكلام: أو تلك نعمة؟! على طريق الاستفهام، ومثله {هذا ربِّي} [الانعام: 76]، وقوله: {فهم الخالدون} [الانبياء: 34]، وأنشدوا:
لم أنس يوم الرحيل وقفتَها ** وجفنها من دموعها شَرِقُ

وقولَها والركابُ سائرة ** تتركنا هكذا وتنطلق

وهذا قول جماعة منهم.
ثم لهم في معنى الكلام ووجهه أربعة أقوال.
أحدها: أن فرعون أخذ أموال بني إِسرائيل واستعبدهم وأنفق على موسى منها، فأبطل موسى النِّعمة لأنها أموال بني إِسرائيل، قاله الحسن.
والثاني: أن المعنى: إِنك لو كنت لا تقتُل أبناء بني إِسرائيل لكفلني أهلي، وكانت أُمِّي تستغني عن قذفي في اليمِّ، فكأنك تمنُّ عليَّ بما كان بلاؤك سببًا له، وهذا قول المبرِّد، والزجّاج والأزهري.
والثالث: أن المعنى تمنُّ عليَّ باحسانك إِليَّ خاصة، وتنسى إِساءتك بتعبيدك بني إِسرائيل؟! قاله مقاتل.
والرابع: أن المعنى: كيف تمنُّ عليَّ بالتربية وقد استعبدت قومي؟! ومن أُهين قومُه فقد ذَلَّ، فقد حَبِط إِحسانك إِليَّ بتعبيدك قومي، حكاه الثعلبي.
فأما من فسرها على الإِقرار، فانه قال: عدَّها موسى نعمة حيثُ ربَّاه ولم يقتله ولا استعبده.
فالمعنى: هي لعمري نعمة إِذ ربَّيتني ولم تستعبدني كاستعبادك بني إِسرائيل؛ ف {أنْ} تدل على المحذوف، ومثله في الكلام- أن تَضرب بعض عبيدك وتترك الآخر، فيقول المتروك-: هذه نعمة عليَّ أن ضربتَ فلانًا وتركتني، ثم تحذف وتركتني، لأن المعنى معروف، هذا قول الفراءِ. اهـ.